الاثنين، 14 يناير 2013

بلال فضل يكتب : لا تدعوها فإنها مستمرة!


ا الحكاية عافية، ولا نجاح الثورات بالتمني، ولا فشلها يمكن إعلانه غلابا، ولا سبيل لإصدار حكم على فعل إنساني ضخم كالثورة بالفشل أو بالنجاح إلا بالإسترشاد بالعلوم الإجتماعية والإنسانية كي يكون لأحكامنا قيمة وحجية، مع مراعاة أن الثورة أصلا ليست في حاجة إلى شهادة من أحد أصلا بأنها نجحت أو فشلت، سواءا كان بيضو إحباطيا أو متفائلا محلقا، حسن النية أو متسخ الطوية.



للعالم الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه البديع (روح الثورات) الذي لا أمل من إعادة قراءته شاكرا لمترجمه عادل زعيتر ولدار الكتب والوثائق القومية التي أعادت نشره عقب الثورة مباشرة، عبارة بديعة تقول «الناس عقب الثورات محكومون بنفسياتهم أكثر من واقعهم»، ولذلك تزداد دائما أهمية التذكير بالبديهيات التي يمكن أن يغفل عنها الناس عندما تصيبهم نوبات الذعر التي يمكن إذا لم يسيطروا عليها أن تفضي بهم إلى هلاك محقق ربما لم يكن ليحدث بسبب ماأصابهم بالذعر.



في ظني، البديهية التي نحن بحاجة إلى تذكرها والتذكير بها دائما هي أن إسقاط رأس نظام لا يعني أبدا سقوط العقلية التي حكم بها لسنوات طويلة وجعلها تترسخ في عقول الناس وتفكيرهم، إذا كان خلقك ضيقا وقلت لي: ومن قال لك أصلا أني في حاجة إلى أن تذكرني ببديهية كهذه، فأنت لست معنيا بقراءة كلامي وعليك أن تنصرف عنه إلى ما لا يهدد المناطق القابلة للإنفجار في جسدك، أما إذا كان خلقك ضيقا أيضا (صعب أن تجد إنسانا سويا في مصر ليس كذلك) لكنك تشعر بحاجة إلى تذكيرك بهذه البديهية لأنها تشبه ما يبيعه تجار التنمية الذاتية من هراء عاطفي، فدعني أنصحك بأن تقوي نفسك بقراءة كتاب شديد الأهمية للمفكر الأمريكي جين شارب عنوانه (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية نحو إطار تصوري للتحرر)، وهو كتاب لم يفقد أهميته التي أدركها البعض قبل تفجر الثورات العربية، لأنه يكتسب أهمية جديدة الآن، هي أهمية التذكير بالبديهيات.



في الكتاب الذي ستجد نسخة شرعية مجانية منه على الإنترنت يقول جين شارب وهو يدفعك إلى تأمل ما أنجزته ثورتنا حتى الآن « لا يعني إنتهاء نظام ديكتاتوري أن جميع المشاكل التي خلفها ستنتهي، فسقوط نظام معين لا يخلق المدينة الفاضلة، بل يفتح المجال أمام عهود طويلة لبناء علاقات إجتماعية وإقتصادية وسياسية عادلة وإلى القضاء على أشكال اللا عدالة والإضطهاد الأخرى. لقد استطاع تحدي الشعوب الذي تميز في الغالب باللا عنف منذ عام 1980 إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وسلوفينيا ومدغشقر ومالي وبوليفيا والفلبين، لكن من المؤكد إن إنهيار الأنظمة الديكتاتورية لم يحل جميع المشاكل الأخرى في هذه المجتمعات كالفقر والجريمة وعدم الفعالية البيروقراطية وتخريب البيئة فذلك ما تورثه الأنظمة القمعية. لكن سقوط هذه الأنظمة الديكتاتورية كان له الحد الأدنى من تخفيف معاناة ضحايا القمع وفتح الطريق أمام إعادة بناء هذه المجتمعات بوجود عدالة إجتماعية وحريات سياسية وديمقراطية وشخصية».



أعلم أن البعض يدرك هذا البصيص من الأمل، لكنه أيضا يخاف من أن نجد مصر وقد انزلقت نحو نظام ديكتاتوري أشد خطورة وفتكا من الذي سقط رأسه قبل عامين، علمني الليمون ألا ألوم أحدا على خوفه، لكن أتمنى أن تقرأ فصلا بديعا في كتاب شارب عنوانه (من أين تأتي السلطة) يتحدث عن المصادر الضرورية لإستمرار أي سلطة سياسية والتي يأتي على رأسها ضرورة وجود توافق بين الناس على شرعية النظام وإيمان بأن طاعته واجب أخلاقي، وهو توافق لو تعرض للشرخ فلا سبيل لأي حاكم لمواجهته إلا بإصلاحات جذرية سريعة وفعالة تكفل إستعادة توافق الناس على شرعيته. هنا يستشهد شارب بقصة صينية عنوانها (سيد القرود) لا أعتقد أن الدكتور محمد مرسي سيحبها كما أحب فيلم (كوكب القرود)، يقول مؤلف القصة في نهايتها «يحكم بعض الرجال شعوبهم بإتباع الخدع، لا المبادئ الأخلاقية، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة، فهم لا يعون تشوش أذهانهم، ولا يدركون أنه في اللحظة التي يدرك الناس أمرهم ينتهي مفعول خداعهم».



دعك من كل ماقاله جين شارب وماقاله من قبله هوارد زن ومن كل ما يؤكد عليه كل علماء السياسة والإجتماع من أنه لا يمكن لحاكم أن ينجح دون أن يكون هناك أكبر قدر من التوافق على شرعية بقائه حتى وإن كان هناك خلاف حاد حول سياساته، دعك حتى من كل أسئلتك عما سيحدث يوم 25 أو 26 في أي شهر من أي عام، حاول أن تتأمل الواقع من حولك بعين الأمل، حاول أن تحتفي بكل تفاصيل التغيير التي حققتها الثورة: كسر هيبة الفرعون ومؤسساته الفرعونية، قوة الشارع التي يجسدها ذلك الشعار الساحر «خافي مننا ياحكومة»، تواصل إنكشاف المتاجرين بالشعارات الدينية، تزايد الوعي السياسي بشكل يجتذب إلى العمل السياسي بشقيه المنظم والفوضوي المزيد من المصريين كل يوم. حاول أن تتذكر أن أجيالا كثيرة عاشت وماتت وهي تحلم برؤية مجرد بشائر لهذه الإنجازات، حاول أن تكون يدا تدفع عجلة الثورة بدلا من أن تكون مسمارا في طريقها أو حملا زائدا يكبس على أنفاسها.



هذه ليست محاولة لنشر التفاؤل المفرط، ولا لهجاء الحذر اللازم، بل مجرد محاولة للإنتصار لثورة يحكم البعض من حرقة قلبه المحب لها بأنها فشلت، بينما هي لم تفشل لأنها ببساطة لازالت مستمرة، فلا أملي سيجددها ولا إحباطه سيوقفها، بل وحده زوال أسبابها من أرض الواقع هو ما سيحدد إستمرارها من عدمه. أقول قولي هذا ثم أبتهل داعيا: «اللهم عليك بالكائنات البيضو إحباطية، أما الإخوان والسلفيون فالواقع كفيل بكسر غرورهم».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق