السبت، 27 أكتوبر 2012

عنف المرأة ضد المرأة بقطاع غزة.. كيد النسا بالنسا ولا تكيدهن بالعصا

غزة - موقع حكايات - منى حلس
عزيزي الرجل، أبشر، فلقبك الأزلي بأنك المعنف الأقوى والأكثر قسوة على المرأة، أصبح لا ينطبق عليك تماما، فبرغم اضطهادك الواضح لها، جاء من يستحق سلب هذا اللقب منك وبجدارة، إنها المرأة نفسها!



أثبت الواقع وبشهادة أغلب النساء، أن المعنف الأشد ظلما، ومكرا وتسلطا على المرأة، هي بنت جنسها "المرأة"، وكيف لا؟ وهي التي تعرف كل مفاتيح ونقاط ضعف غريمتها، التي غالبا ما تكون دوافع تعنيفها لها، إما الغيرة، أو الحسد، أيضا حب التسلط، والانتقام أحيانا.



"العنف النسائي موجود لا شك، ولكن تختلف أساليبه مقارنة بأساليب عنف الرجل على المرأة، فالتأثير النفسي والمعنوي هو سيد الموقف في أذية النساء لبعضهن البعض"، هذا ما بدأت به منى الحايك، ثمان وثلاثون عاما، صاحبة بوتيك ملابس نسائية حديثها.



إن كيدهن عظيم



فبوجهة نظرها ، تعنيف المرأة للمرأة لا يتم بتلقائية عابرة إما أن تصيب أو تخيب، بل من خلال أساليب معينة تتخذها للنيل من فريستها، ودائما ما تكون تلك الطرق المتبعة في الأذية، في صميم حياة المرأة المستهدفة، التي تمثل لها من شدة تعلقها فيها نقاط ضعف، لو ضربت من خلالها ستنهار حياتها رأسا على عقب، مثل الزوج والأبناء، العرض، وغيرها من الركائز الحساسة في حياة كل امرأة.



ومن هذا المنطلق تصور الحايك عنف المرأة وأذيتها للمرأة الأخرى، بالأشد خطرا وتدميرا من عنف الرجل عليها، فهي ترى هذا النوع من التعنيف مفعوله أكثر نفاذا، وسريانه طويل الأمد، لا يزول بسهولة مع الوقت، مقارنة بالتعنيف الذكوري اللحظي، الذي يكون إما بالضرب أو الألفاظ البذيئة.



ومن الغيرة ما قتل!



ولا تخفي الحايك ما تعرضت إليه من عنف واضح وصريح، من قبل إحدى صديقاتها المقربات جدا إليها، التي كانت دوافعها كالمعتاد، الغيرة المفرطة والحسد المعيشي.



وفي ذات السياق تواصل الحايك: لم أتوقع للحظة أن أعز صديقاتي، هي من سيطعنني في ظهري يوما، وكيف؟ من خلال زوجي! التي كانت تحسدني على تفاهمي معه، وانسجامنا العائلي، ونجاحي المهني كوني صاحبة بوتيك حريمي.



وتستطرد الحايك: ما كان يدهشني من هذه الصديقة الغير صدوقة، أنها كانت أيضا تنعم بحياة هانئة مع زوج لا بأس به، فما الداعي إذن لغيرتها المفرطة، وحقدها الذي أوصلها لحد الانتقام مني من خلال زوجي، الذي لفت شباكها حوله، جاهدة إيقاعه في حبها،



ليكون معها علاقة غير شريفة، ولكنها لم تضع بالحسبان أن هذا الرجل أنظف من أن يوسخ نفسه بامرأة غيرتها دفعتها لأذية صديقتها، وخيانة زوجها.



مهد العنف الأسرة



منال ياسين ثلاث وعشرون عاما مقدمة برامج إذاعية تقول:"يعترضني عنف المرأة في طريقي المهني والعائلي، فكل يوم بالنسبة لي هو استقبال نوع جديد من عنف المرأة الأخرى علي، ومع تكرار كل موقف تزداد حالتي النفسية سوءا، وثقتي بالأخريات تتضاءل أكثر فأكثر".



تشير ياسين إلى أن العنف الأنثوي يبدأ من داخل الأسرة، فالأخت كثيرا ما تعنف أختها، في الوقت التي تؤدي فيه كل فروض الطاعة لأخيها، وتسكت على تعنيفه لها، بينما ترد الأذية لأختها الصاع صاعين!



وأكثر ما يدهش ياسين أن الضربة القاضية على المرأة تأتي من أخرى قريبة جدا منها، مثل الصديقة، الأخت، و الأم أيضا، التي تتعامل مع ابنتها وكأنها شيء ثانوي مقارنة بأهمية ابنها في حياتها، التي ترسخ في عقليته أنه دائما الأفضل، الواجب عليه تقويم أخته والتحكم في حياتها، حتى لو كانت تكبره بعشر سنوات.



أفضل الرجل



وتفضل ياسين التعامل مع الرجل في حياتها المهنية، كونه أكثر حيادية وتعاوننا مع المرأة بشكل عام، أيضا مشاعر الغيرة والحسد اتجاهها من قبله تكون أقل بكثير مقارنة بغيرة المرأة منها.



وكان للعنف النسوي أثره السيئ على ياسين، التي تخلت عن فكرة الإقدام على الزواج، من خلال ما رأته من نماذج نساء طلقن بسبب تعنيف حمواتهن لهن، وتدخلهن في كل شئون حياتهن الخاصة جدا، أيضا السلفات اللواتي كان لهن دورا رائدا في الأذية الشديدة على بعضهن البعض.



الكي بالنار ولا حماة بالدار



وقصة طلاق صديقتها كانت آخر المطاف للنفور التام من فكرة الزواج، التي طلقت بسبب العنف التي كانت تمارسه عليها حماتها، المتمثل بتحكمها بساعات نومها واستيقاظها، والقيام بضربها ورميها بالألفاظ البذيئة، عندما ترى منها الأفعال الغير راضية عنها، لدرجة أن وصل بها الحال، أن تتدخل بعلاقتها الخاصة بزوجها، وذلك بتحريضه عليها، وإرغامه عدم المكوث معها بغرفة واحدة، وما كان يجعلها تعنف بكل عين قوية، وتنهي وتأمر بكل ثقة، هو استغلالها حاجة ابنها المادية لها، فهي التي كانت تنفق عليه.



شبح المديرة يلاحقني



أما تهاني كتكت، خمس وعشرون عاما، فنية مونتاج، تعاني من تعنيف المرأة لها في معترك العمل، وخاصة من قبل مديرتها السابقة، التي كانت تعكس تقلباتها المزاجية عليها، من اكتئاب وخلافات زوجية، لتجعل منها كبش فدا لتصرفاتها الغير مهنية.



كانت تتصيد لها الأخطاء لتخصم من راتبها، غير معتبرة لشرع أو إنسانية، وتقوم بتوبيخها لأتفه الأسباب، ورميها بالألفاظ المهينة، وتفضل غيرها عليها، حتى لو كان أقل كفاءة منها.



كل هذا لم يجعل كتكت تنتظر أكثر لتترك عملها، الذي هو مصدر رزقها الوحيد، لتهرب من شبح مديرتها، الذي أثر على نفسيتها بالسلب، وجعلها تتراجع بشكل واضح في تأديتها عملها بنجاح.



المطلوب قليل من الموازنة



وردا على كتكت، تقول خلود السوالمة ثلاثون عاما، مسئولة مشاريع:" طريقة تعامل المديرة مع موظفاتها، تعتمد على شخصيتها، ومدى توازنها النفسي، الذي يحتم عليها عدم الخلط بين عقدها النفسية، ومهامها الإدارية، أيضا إلى أي درجة تحقق الجمع بين معاملة موظفاتها بمودة، وإضفاء جو من الألفة في العمل، وبين إجبارهن تأدية مهامهن العملية بجدية بحتة ومهنية، في جو يسوده الاحترام".



وتوضح السوالمة أن هذه المعادلة، قليلا ما تحققها المديرات في تأدية عملهن، ولكنها موجودة، و إن اختلفت درجات وجودها، مستطردة: للموظفات دور كبير في تضخيم الأمور، وتهويل المواقف، ليشوهن صورة مديراتهن، فعند تقصيرهن من الطبيعي مراجعتهن على ذلك، ولكنهن لا يحتملن المعاتبة من قبل امرأة مثلهن، حتى و إن كانت مديرة، بعكس الحال لو كان المدير رجل.



الثقافة السائدة متخلفة



أما الباحثة الفلسطينية زينب الغنيمي، مستشارة قانونية، وعضو مجلس إدارة مركز شئون المرأة، لها وجهة نظر أخرى عن عنف المرأة ضد المرأة، فهي تربطه بالثقافة السائدة في المجتمعات العربية عامة، والغزية بشكل خاص، التي على قدر عالي من التخلف بطريقة تعاطيها مع العلاقات الاجتماعية، وفهمها الخاطئ للدين، بأن الرجل أي كان في حياة المرأة، هو قوام عليها، وهذه القوامة تعني التسلط والتجبر، والضرب أحيانا. تقمص المرأة شخصية الرجل وتوضح الغنيمي أن السلطة في الغالب كانت ومازالت من حقوق الرجل الشرقي الحصرية، ولكن مع تقدم المرأة في المجال العلمي، وتقلدها مناصب إدارية هامة في معترك العمل، أصبحت أيضا تمتلك السلطة، ولتصبح إدارية وصاحبة سلطة ناجحة، وضعت شخصية الرجل المتسلطة المتعجرفة أمام أعينها، لتجعلها أسوة تستمد منها تصرفاتها، وعلى هذا الأساس تقمصت الشخصية المعنفة القاسية، مستطردة:العقلية الذكوية ليست حكرا على الرجل، يمكن أن تحملها المرأة أيضا، إذا ما توافرت لها كل متطلبات التسلط. المرأة تعنف الرجل أيضا! وتعتقد الغنيمي أن المرأة المتسلطة ليس بالضرورة أن تكون ضحيتها امرأة، ممكن أن يكون رجل أيضا، كالزوج الذي لا يعمل، أو راتبه أقل من راتبها، والمريض الغير قادر على تأدية مهامه الزوجية، ففي هذه الحالة تتسلط عليه، وتعنفه أيضا بقسوة، لأنها من يمتلك المال والقوة، التي من خلالهما تستمد السلطة. لسن نساء ولم يحصلوا الرجال وتصور الغنيمي الشخصيات النسوية اللواتي يقمن باستغلال مناصبهن لإرضاء غرورهن، وانتظار فروض الطاعة ممن حولهن، بنساء تخلين عن أنوثتهن، ولم يستطيعوا أن يكونوا رجال، لذا فهن عديمات شخصية، غير واثقات بأنفسهن. وتدلل الغنيمي على هذا التشبيه عندما تتعامل مديرة في العمل مع الموظفين الذكور بطريقة يسودها الاحترام والتقدير، بخلاف معاملتها مع الإناث اللواتي تنظر لهن بنظرة دونية، لأنهن باختصار يذكرنها بنفسها قبل أن تكون صاحبة سلطة، أما الرجل وإن كان أقل كفاءة منهن ترى فيه شخصيتها الحالية التي تشبهه، لتفاجئ أن الرجل نفسه لا يتقبلها كرئيسة تلقي عليه الأوامر، ويأبى ضمها لجنسه. نعم تعرضت لعنف نسوي وتتحدث الغنيمي عن موقف أحست من خلاله أنها معنفة من قبل امراة أخرى:"عنفتني من خلال تشويه صورتي أمام الجميع، مستخدمة الفيس بوك كوسيلة للتشهير بي، وكانت تضع لي العراقيل في طريقي المهني، كي أيأس وأتخلى عن مواقفي السياسية والمهنية، برغم أنها كانت في يوم من الأيام من تلميذاتي، التي ذللت لها كل العوائق، لتنجح وتصبح رائدة في مجالها، وعندما تقلدت منصبها، أول من مارست عليه تسلطها وعنفها، أنا! المرأة التي تعنف غيرها ضحية يقول الدكتور خالد دحلان أخصائي الطب النفسي، وعلاج الإدمان:"مجتمعاتنا الذكورية خلقت من الرجل شخصية مسيطرة مستبدة، كانت المرأة ولا زالت من أولى ضحاياها، التي تشربت كل قسوة هذه الشخصية المسيطرة، وعانت الكثير من التمييز بينها وبين الرجل، في كل أشكال العلاقات الاجتماعية التي تربطها به. ويؤكد دحلان على وصف المرأة في المجتمعات الشرقية بالضحية، التي لا ترتاح وتستكين نفسيتها، إلا إذا أخرجت هذا الكبت والإحساس بالاضطهاد، من خلال ممارسته على غيرها، ولذلك تكون ضحيتها امرأة أخرى، لأنها تستطيع تعنيفها بسهولة مقارنة بتعنيفها رجل. ويشخص دحلان نفسية النساء اللواتي يعنفن غيرهن من النساء، ويتعمدن إذلالهن وممارسة كل أساليب الانتقام منهن، لدوافع كثيرة منها الغيرة، والحسد، وحب التسلط، بالنساء المصابات بمرض نفسي يسمى "النرجسية":عبارة عن اضطراب عقلي من اضطرابات الشخصية، حيث يعاني المرء من إحساس مرضي بأهميته، وحاجته الدائمة إلى إطراء الآخرين، على ما يقوم بفعله، وأنه مثار للإعجاب، وممكن أن تكون هذه الأفعال نابعة من إحساسهن بعدم الرضا، وعدم الثقة بأنفسهن، واحتمال إصابتهن بخلل في ردود الفعل التي تخرج منهن بطريقة مبالغ فيها.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق