الخميس، 8 نوفمبر 2012

"السقا" تمرد على "السقا" وخذله السيناريو

طارق الشناوي

لو اهتم كثيرا صناع فيلم «بابا» بالتفاصيل، ولو تعاملوا مع الكوميديا باعتبارها شيئا آخر تماما غير التهريج.. لو.. ولو.. ولو... ولكن كما يقولون في المثل المصري «لو كلمة معلقة في الجو». الحالة السينمائية هذا العيد لم تكن مرضية تماما ولم تأت على قدر الترقب، ولا كانت حتى متوافقة مع أسماء النجوم وجاذبيتهم. وكما قال الشاعر «عيد بأية حال عدت يا عيد»، نقولها مرة أخرى: «بأي أفلام عدت يا عيد».



في فيلم «بابا» لأحمد السقا، أمسكت الكاتبة «زينب عزيز» بفكرة تمتلئ جاذبية ونسجتها في قالب كوميدي لا يخلو من ومضات إنسانية، حيث إننا مع طبيب نساء وولادة، عاشق للأطفال، ويتزوج ويتوق إلى طفل من صلبه، ولكن تأخر الإنجاب.



الطبيب المتخصص بالنساء والتوليد وعلم الخصوبة والحقن المجهري، وهو امتداد للعملية الشهيرة باسم «أطفال الأنابيب»، هذا الطبيب الذي يستمع إلى الصرخة الأولى للأطفال يحلم بأن تتردد في أذنه صرخة طفل تخصه وحده، وعندما يتعذر الحمل بالطريقة التقليدية يقرر الطبيب اللجوء للحقن المجهري.



الفيلم يمتلك الكثير من مقومات صناعة عمل فني به قدر من المغامرة الإبداعية، حيث يتناول حالة علمية لم تتطرق إليها السينما المصرية من قبل، وفي نفس الوقت فإنه يحيطها بتفاصيل نعيشها في الحياة الاجتماعية.. أسند المخرج الدور إلى «السقا» لكي يمثل هذه المرة ولا يعتمد فقط على لياقته الجسدية في الضرب والقفز والقتل لو تطلب الأمر، أصبح «السقا» يمارس فن التمثيل على طريقة المطرب الذي يشارك في بطولة فيلم.. الجمهور ينتظر منه أن يقدم لهم أغنيات، بينما «السقا» عقد اتفاقا مع الجمهور يقضي بأنهم ينتظرون منه «شوية» مطاردات وقفزات وضربات، خاصة أن «السقا» يحرص على ألا يستعين بدوبلير في الكثير من تلك المشاهد الخطيرة، فصار جمهوره يتابعه في الموقف المثير وهو يضع يده على قلبه خوفا على البطل من أن يصيبه مكروه.. كان ينبغي لأحمد السقا أن يقفز هذه المرة بعيدا عن تلك الأسوار التقليدية التي صارت تحيطه من كل جانب، وجاء دوره في «بابا» كطوق نجاة يخرجه من تلك المصيدة الدرامية.. يقدم الفيلم من دون إقحام طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط، متجسدة في حالة الصداقة بين المسلم والمسيحي وذهاب «السقا» للاحتفال بزفاف «إدوارد» في الكنيسة، وتبدأ مشاعر «السقا» تتوجه ناحية «درة» عندما يراها في الكنيسة ويتقدم للزواج.



ويتوقف الفيلم أمام عملية الحقن المجهري كثيرا، وبدلا من أن يخلص للمنطق العلمي الذي يحيل مثل هذه الأمور التي تتم في إطار طبي محدد وفق قواعد متعارف عليها، فإنه يعتقد أن الموقف يُقدم باعتباره نكتة، حيث إن السائل المنوي يتم استخلاصه طبقا للسيناريو بعد الإثارة الجنسية، كأنه أراد أن يغتال السيناريو من أجل ضحكة ليست بالضرورة قابلة للتحقق، بل أحيانا كانت تؤدي إلى الإحساس بالتقزز.



لا أدري كيف أن الكاتبة «زينب عزيز» والمخرج «علي إدريس» يضحيان بالفيلم الذي كان ينبئ بحالة إبداعية، خاصة عندما يتعاملان معه على أساس أنه مجرد إيفيه ونكتة، ولم يكتفَ بتقديمها مرة واحدة شاهدناها في عدة تنويعات، نرى فيها المتشدد دينيا الذي أدى دوره «خالد سرحان» يرفض أن يرى أحد زوجته حتى الطبيب، ونتابع الثري الخليجي، أدى دوره «لطفي لبيب»، الذي يصطحب معه أربع زوجات بدلا من أربع سابقات قام بالتخلص منهن بسبب عدم قدرتهن على الحمل.. الإيفيه قائم على أن الحيوانات المنوية يتم الحصول عليها بعد الإثارة الجنسية للزوج بأي طريقه وعليه أن يملأ وعاء ضخما بالسائل المنوي.



توقف حبل الأفكار وانقطع التتابع الدرامي، فقررت الكاتبة أن تضيف خطين ثانويين من أجل ملء المساحة الزمنية الفارغة ليمتد الشريط السينمائي إلى ساعتين.. الزوجة تذهب إلى صديقتها، تمضي معها إجازتها، فتكتشف أن صديقتها المطلقة على علاقة برجل ولا تهتم بمرض طفلها، وهي التي ترعاه حتى تنتهي الأم من ممارسة الرذيلة.. بينما «السقا» يسافر إلى لبنان ويكتشف أن صديقة سابقة، أدت دورها «نيكول سابا»، ربطتهما علاقة جنسية قبل بضع سنوات، تستضيفه في منزلها ثم تتركه مع طفل تؤكد له أنه أبوه من علاقتهما القديمة. ولا تجهد الكاتبة نفسها كثيرا، فهي تنهي كل ذلك بأن كل ما شاهدناه لم يحدث، وأن الطفل الذي ادعت أنه طفله ليس طفله، وهي لم تعد تحبه فقط، أرادت أن تلقنه درسا لأنه تركها بعد علاقة حميمة بينهما من دون حتى أن يسأل عنها، بل هي التي تصالحه على زوجته «درة» وتقول لها إن هذا طفل لقيط تبنته وليس ابنها.. وتعود «درة» وتحمل طبيعيا وتنجب توأما.



الفيلم يقدم من دون مباشرة حالة التعايش بين المسلم والمسيحي، مثل تلك اللقطة التي تجمع بين «خالد سرحان» المتطرف دينيا و«إدوارد» وهما يشاهدان من وراء حاجز زجاجي شفاف طفليهما، ويقول «صلاح عبد الله»، مدير المستشفى، لهما هل أحد منهما يستطع أن يعرف على وجه اليقين من هو ابنه، من المسلم ومن المسيحي، فهو يريد أن يثبت أننا جميعا نولد على الفطرة!! صناع الفيلم اغتالوا أفكاره بيدهم ومع سبق الإصرار والإضرار، لأنهم أرادوا أن يتحول إلى نكتة، وهكذا لعبوا على موقف واحد لم يتمكنوا من تجاوزه، حتى إنك في لحظات تعتقد أنهم يقدمون دعاية لمستشفى متخصص بالحقن المجهري، أو لعل منتج الفيلم قد اتفق مع أكثر من مستشفى على أن يقدم دعاية غير مباشرة ليمهد الطريق للناس للإقبال على التعامل مع هذه التقنية الجديدة في الإنجاب.



ولم ينس الفيلم كالعادة أن يدعم الموقف بالممرضة التي تفتقر إلى الجمال وتبحث عن عريس، وهكذا قدم «إيمان السيد» التي تؤدي دائما دور العامل المساعد في تعبئة الضحك بأي إيفيه تلقيه من دون منطق فني، ولكن مجرد الإمساك بنكتة، ولا أتصورها حققت نجاحا حتى في هذا الشأن.. وهو ما وقع فيه أيضا المخضرم «صلاح عبد الله» الذي كان وجوده هامشيا من أجل مزيد من الضحك.



«دُرة» تؤدي دورها بقدر من البساطة والاقتصاد في التعبير، و«أحمد السقا» كان موفقا وهو يختار هذا الدور الذي يعتمد على أداء ممثل وليس لياقته البدنية.. «خالد سرحان»، كعادته، يحول مشاهده القليلة في أي عمل فني إلى مساحة لا تُنسى، فهو يؤديها بخفة دم وتفهّم لأبعاد الشخصية، ولهذا نكتشف أننا نضحك لصدقه في التقمص، فهو لا يقدم نكتة بل دورا، كما أنه يحطم دائما حالة التنميط التي صارت تسيطر مثلا على «إدوارد» من فرط تسكينه الدائم في دور صديق البطل بالمعنى التقليدي للكلمة، حيث إنه بلا ملامح درامية خاصة، فصار هو أيضا يؤدي أدوارا تتشابه في كل تفاصيلها، ويختلط عليك الأمر فلا تدري هل هو هذه المرة صديق لمن؛ لأحمد السقا مثلا أم لحمادة هلال؟



«بابا» فكرة لم تكتمل، وبروفة لعرض كان لا يزال في حاجة إلى الكثير من التدريبات ولكنهم فتحو الستار وهو لم يكتمل، إنه أقرب إلى جنين في شهره الخامس، وبدلا من الانتظار حتى التاسع ولد مبتسرا!! يبدو أن «أحمد السقا» لديه نية صادقة للعبور إلى الشاطئ الحقيقي لأي ممثل، وهو أنه بالفعل يمثل دورا ويتقمصه بكل تفاصيله، ولكن السيناريو خذله، فليس بالنوايا وحدها تُصنع الأفلام!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق